هو الإمام المنصور بالله أبو محمد عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن الإمام النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم أفضل السلام.
دعا سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وجدد الله به الدين الحنيف، وفل بمواضيه أعضاد أهل الزيغ والتحريف.
من كراماته:
وأجرى الله له من الكرامات ما يبهر الألباب، وتخر مذعنة له الرقاب، منها: النور الذي أضاء حال دخول الإمام مدينة شبام، حتى ظنه بعضهم ضوء القمر، ثم ظهر له أنه آخر شهر. ومنها: أنه لما دخل ذمار تساقطت النشاب في أيديهم، وانكسرت في الهواء. ومنها: الراية الخضراء التي رأوها بين راياته، ومنها: ما رواه الفقيه حميد الشهيد رحمه الله، قال: أخبرنا السلطان الفاضل الحسن بن إسماعيل، قال: سمعت وأنا في داري في ظفار كلاما في أول الليل بعد وفاة المنصور عليه السلام قبل أن نعلم بموته، وكرره قائله حتى حفظته، فسمعته يقول: أبا محمد أنت القمر الزاهر، وأنت الربيع الماطر، وأنت الأسد الخادر، وأنت البحر الزاخر، وأنت من القمر نوره وضياؤه، ومن الشمس حسنه وبهاؤه، ومن الأسد بأسه ومضاؤه. ثم أتى الخبر بعد ذلك بموته في كوكبان.
قال في الحدائق: ومنها: القصة المشهورة، وهي أن ورد سار لما تقدم إلى ناحية حوث في بعض أيامه، فأخرب دار الإمام عليه السلام، ثم عاد إلى صنعاء، فما تم الأسبوع حتى أنزل الله تبارك وتعالى سيلا لم يعهد أهل هذه الأعصار مثله، وكان قد بنا في صنعاء قصرا شامخا، وتأنق فيه وتعمق، فهدمه ذلك السيل، واستلب كثيرا من أمواله ونفائسه، ونجا بعد أن أشفى على الهلاك، إلى غير ذلك من الكرامات الجمة، وذكر مثل ذلك في مآثر الأبرار، وفي اللآلي المضيئة.

ولم يزل خافضا بحسامه وجوه المعتدين، رافعا ببيانه فرائض رب العالمين، حتى قبضه الله إليه في المحرم سنة أربع عشرة وستمائة، عمره اثنتان وخمسون سنة وثمانية أشهر، واثنتان وعشرون ليلة. مشهده بظفار.
صفته عليه السلام: كان طويل القامة، تام الخلق، دري اللون، حديد البصر حدة مفرطة، أبلج، كث اللحية، كأنه قضيب فضة، قد غلب الشيب على عارضيه.
وقد أعلم به محمد بن أمير المؤمنين عليهم السلام في أبيات له، قال فيها:
ووديعة عندي لآل محمد …. أودعتها وجعلت من أمنائها
ثم أشار إلى الوقت الذي قام فيه الإمام فقال:
وهناك يبدو عز آل محمد …. وقيامها بالنصر في أعدائها
ونقل من قصيدة قديمة ذكر صاحبها صفات الغز الذين جاهدهم الإمام عليه السلام، منها:
أهل فسق ولواط ظاهر …. أهل تعذيب وضب بالخشب
يتركون الفرض والسنة لا …. يعرفون الله ليسوا بعرب
ينقلون المال من أرض سبأ …. نحو مصر ودمشق وحلب
فإذا ما الناس ضاقوا منهم …. في بسيط الأرض طرا والحدب
ظهر القائم من أرض سبأ …. يمني السكن شامي النسب
اسمه باسم أبي الطهر النبي …. ذاك عبدالله كشاف الكرب
يملأ الأرضين عدلا مثلما …. ملأت جورا وهذا قد غلب
وفي الأسانيد اليحيوية للقاضي العلامة تقي الدين عبدالله بن محمد بن عبدالله بن أبي النجم، المتوفى سنة تسع وأربعين وستمائة: وبإسناده عن زيد بن علي أنه قال: نحن الموتورون، ونحن طلبة الدم، والنفس الزكية من ولد الحسن، والمنصور من ولد الحسن..إلى آخر الأثر، وهو في أحكام الإمام الهادي إلى الحق.
ووجدت في رسالة القاضي العلامة فخر الدين عبدالله بن زيد العنسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخاطبا فاطمة عليها السلام: ((فإن من ولدك الهادي، والمهدي، والمرتضى، والمنصور))، انتهى.
ومدة إمامته تسعة عشر عاما، وتسعة أشهر وعشرون يوما.

أولاده: الأمير الناصر محمد قام محتسبا، وكان له من رباطة الجأش وثبات القلب عند منازلة الأقران، ومجاولة الفرسان ما هو خليق بمثله، وكان فصيحا بليغا مفلقا، وأخذ في الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله حتى توفاه الله سنة ثلاث وعشرين وستمائة، بعد أن توسل إلى الله إن كان قد قبل عمله أن يقبض روحه، عمره اثنان وثلاثون عاما.
وله القصيدة الرائعة في تعداد بني إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما:
سما لك شوق من حبيبك منصب …. وهم إذا جن الدجى متأوب
ومن عجب أن لا يهيج لك الأسى …. ديار تعفيها شمال وهيدب
وإني لتعديني إلى العزم همة …. وقلب على جمر الغضب يتقلب
أنا ابن الذي سن القرى والذي به …. لعدنان فرع لا يعاب ومنصب
عجبت لمغرور يكلف قومه …. مفاخر عدنان إلى أين يذهب
أبونا الذي لم تعرف الخيل غيره …. ولم يك شيخ قبله الخيل يركب
وأورثنا حسن البيان ولم يكن …. من الناس من قبل ابن هاجر يعرب
ذوو المجد أبناء الذبيح محلهم …. محل الثريا حين تسمو فتشهب
وهم ملأوا حزن البلاد وسهلها …. وضاق بهم شرق وشام ومغرب
وهم نزلوا في آل إسحاق منزلا …. وقحطان لولاهم أقل وأخيب
مفاخر نالتها نزار ولم يكن …. ليبلغ أدناها الكلاع ويحصب
ومنها:
كنانة صفو الصفو والخيرة التي …. تخير منها للنبوة منقب
ومنهم رسول الله طابت أرومة …. أقر لها من أحمد الأم والأب
قريش همو قوم الرسول توارثوا …. خلافته نعم المواريث تكسب
فأكرم بقوم ينزل الوحي فيهموا …. كريم إلى أبياتهم يتصوب
لهم من بني إسحاق إرث نبوة …. بمكة والبيت العتيق المحجب
إذا افتخروا عدوا عليا وجعفرا …. وحمزة منهم ليث غاب مجرب
وآمنة الغراء أم محمد …. وفاطمة الزهراء منهم وزينب
ومنها:
وسبطا النبي الطاهران اللذا هما …. هلالان في ظلماء تخبوا وتذهب
ومنهم علي بن الحسين ومنهمو …. بنوه وقول الحق أولى وأوجب
ويحيى بن زيد والحسين وعمه …. هم القوم أزكى حيث كانوا وأطيب
وزيد وعبدالله منهم وقاسم …. أخو الرس والهادي الإمام المقرب
وحمزة ذو الحدين منهم ومنهمو …. أبونا الذي يسموا إليه التنسب
لنا حسب عود منيع تلاعه …. تضاءل فيه منصب رضوا وكوكب

ومنها:
ومنا ابن مسعود أخو العلم والتقى …. ومنا أبو ذر الغفاري جندب
وهاشم المرقال منا بن عتبة …. وعكاشة فيمن أعد وأحسب
فتلك نزار الأكرمون أرومة …. وإني لأسلافي لأرضى وأغضب
ونحن رددنا ملك حمير بعدما …. تواكله روم وخزر وصقلب
وسرنا بذي الأدغال في الغرب سيرة …. لنا كلكل فيها مناخ ومنكب
ونحن نصرنا ذا المنار بجمعنا …. وكان لنا في مرأب الصدع مرأب
دعانا فلم ننكل وقد تل عرشه …. وأيقن لولا نحن أن سوف يغلب
ومنها:
محاسن من أبناء عدنان حلقت …. بها من بنات الدهر عنقاء مغرب
وأبقت لهم منها محاسن لم تكن …. لغيرهم والقول بالحق أوجب
وآثارهم مشهورة شهدت بها …. مناسكهم عند الحجون ويثرب
مفاخرنا لوها ولم يك نالها …. رعين ولم يبلغ مداهن حوشب
لقد قلت قولا لم يكن بكريمة …. علي وجوه في ملام تقطب
مهذبة غراء بكر ولم تزل …. تطالع مما قلت بكر وثيب
وما ضرها إن كان في الترب ثاويا …. زهير وآوى جرول والمسيب
وهذا آخر بيت وهي تنيف على مائة وثمانين بيتا، أوردها في كنز الأنساب، ومجمع الآداب لمحمد بن إبراهيم الحقيل رئيس محكمة الخرج سابقا، قال: نتحف القراء بقصيدة فريدة من نوعها في نسب بني إسماعيل، قالها محمد بن الإمام عبدالله المنصور بن حمزة من أئمة اليمن..إلخ.
ومال إلى جنابه كثير من العلماء، منهم: الفقيه العلامة الشهيد حميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي، صاحب الحدائق الوردية، ومحاسن الأزهار، والعمدة والوسيط، وغيرها، وجرت له كرامة عظمى، وهي: أن رأسه أذن بعد قطعه في الجيش، قال الإمام شرف الدين عليه السلام:
وبعد القطع قد شهدت عداه …. بأن الرأس أذن في الجنود

توفي سنة اثنتين وخمسين وستمائة، قبره في قرية رحبة من بلاد السود، جبل عيال يزيد.
والحسين، وحمزة، وإدريس، والفضل درجوا جميعا، والأمير المتوكل أحمد، وعلي، وإبراهيم، وسليمان، والحسن، وموسى، ويحيى، والقاسم، وجعفر، وعيسى، وداود.
من مؤلفاته: كتاب الشافي أربعة أجزاء أحاط فيه بأنواع العلوم وهو أعرف من أن يوصف، ومنها: الرسالة الناصحة، وشرحها، وكتاب المهذب، وحديثة الحكمة شرح الأربعين السيلقية، أودع فيها من علوم العربية ومعاني الألفاظ الشريفة ما بهر الألباب، وله كتاب صفوة الاختيار في أصول الفقه، وكتاب العقد الثمين في (تبيين أحكام الأئمة الهادين)، وكتاب التفسير، وكتاب الجوهرة الشفافة إلى العلماء كافة، والرسالة الكافية لأهل العقول الوافية، والرسالة الهادية، والدرة اليتيمة، والأجوبة الكافية، وكتاب عقد الفواطم، وغيرها من المؤلفات الجليلة.
وله في الفصاحة الرائعة والبلاغة البارعة المقام الأرفع، والمكان الأعز الأمنع، وديوانه: مطلع الأنوار، ومشرق الشموس والأقمار، وأعظم مواقعه في نشر معالم الدين على منهاج الأئمة الهادين، كقوله الذي رواه عنه الإمام عز الدين بن الحسن عليه السلام في المعراج وهو:
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى …. وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن خلط الخيل بالخيل ضحوة …. على عجل والبيض بالبيض ترتدي
ومنهن نشر الدين في كل بلدة …. إذا لم يقم بالدين كل مبلد
ومنهن تطهير البلاد عن الخنا …. ورحض أديم الأرض من كل مفسد
بذلك أوصاني أبي وبمثله …. أوصي بني أوحدا بعد أوحد

والبيت الأول لطرفة بن العبد عد بعده خصاله الثلاث اللاتي لولاهن لما بالى بالحياة تركتها اختصارا، وهن في معلقته ومحصولها: شرب الخمر، والكر على الخيل، والعكوف مع الحسناء، فعارضه الإمام بخصاله هذه، وكل ينفق مما عنده كما قال الوصي عليه السلام: قيمة كل امرء ما يحسنه، وكل إناء بالذي فيه ينضح، وحسبك أن الإمام عليه السلام لما وصلت قصيدته البائية بغداد أغلق الخليفة العباسي بابها ثلاثة أيام لانخلاع قلبه من الفزع، وعندهم ألوف من العساكر العظام، حسبوا أن الإمام في أثرها.
هذا، والجد الجامع لبني حمزة هو الأمير الشهيد حمزة بن الإمام النفس الزكية أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن، ويتفقون هم وأولاد الهادي في الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام، قال في البسامة:
وفي ابن حمزة عبدالله حازمنا …. وخير داع دعا منا ومفتخر
جاءت بمعضلة نكداء رائعة …. وصاولت من غدا بالمكرمات حرى
وقادت العجم من أقصى ممالكها …. إليه تركض خيل البغي والبطر
فحاصرت كوكبانا وهو ساكنه …. وصنوه فارس الهيجاء في البكر
حتى قضى نحبه والسيف منصلت …. في كفه ومضى في معشر صبر
وكان للمال في كفيه أجنحة …. فإن يقع منه شيء فيهما يطر
وشيبتا الحمد..إلخ البيت المار.
وما رعى المشرقي الندب حرمته …. بعد العفيف عفيف الثوب والأزر

الإعلان