هو الإمام أبو هاشم النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام، وهذا الإمام السادس من آباء المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليهم السلام.
دعا إلى الله سنة ست وعشرين وأربعمائة، وذكر القاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس رحمه الله – المتوفى سنة إحدى وستين وألف -: أنه دعا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ولعل موته عليه السلام سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
وله دعوة شريفة قال فيها: الحمد لله العزيز الغفار، الواحد القهار، الملك الجبار، خالق البحر الزخار، والسحاب المدرار، والنجم النوار، والقمر السيار، والفلك الدوار، وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، ?سواء منكم من أسر القول ومن شجهر به ومن هو مستخف باليل وسارب بالنهار?، لاتكتنهه البصائر، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الضمائر والأفكار.
قال: وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة إخلاص وإقرار، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المختار، نبيه الكريم النجار، والنقي النضار، ومعدن الفخار، وزين الوقار، والمنتخب من ولد قصي وآل نزار، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الأخيار.
..إلى قوله: فبلغ صلى الله عليه وآله وسلم الرسالة، وأوضح الدلالة، وأدى الأمانة، ونبذ الخيانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وأظهر البرهان والدليل، وأقام الحق على سواء السبيل.

(1/240)

..إلى قوله: فلما قومهم بالهدى والتقى، وجنبهم مصارع الغي والردى، أنزل عليه العلي الأعلى تبارك وتعالى: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى?، أمرهم تعالى أن يكافئوا جلائل النعم، ويجاوزوا فواضل هذه القسم، بإعظام الذرية، وإكرام نجل النبوة، فرضا حتمه على كافة البرية، وأكده رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالوصية، حين قال للسبطين الطيبين الطاهرين السيدين الحسن والحسين عليهما السلام: ((آذى الله تعالى من آذاني فيكما، ورحم من رحمني فيكما))، وحين قال: ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) فجعل الكتاب والعترة وديعتين عظيمتين هاديتين مهديتين باقيتين، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم)).
..إلى قوله: وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن عدل عنها غرق وهوى))، ونظار ذلك كثير.
قال: فأطاع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الوصية قوم موفقون مسددون، وعصاه آخرون محرومون مبعدون، وهذا الحي من همدان أهل المجد والبأس والمراس، والنجدة وسراة الناس، ممن رضي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم طاعتهم وموالاتهم، ومشايعتهم ومصافاتهم ومحاماتهم دوننا أهل البيت، ومدافعتهم وإنصافهم في شيعتنا، ومظاهرتهم وموازرتهم للقائم منا، ومصاحبتهم ومكاتفتهم علينا، فقد شملت فواضلهم، وعمت نوافلهم، فهم بطانتنا وخاصتنا، وأولياء دعوتنا، وأعضاء دولتنا، وحماة حوزتنا، ومفزع رأينا ومشورتنا، فجزى الله تعالى أحياءهم عنا خيرا وبرا وحمدا ومنا وشكرا، وأوسع موتاهم ثوابا وأجرا وعفوا وغفرا، فكم من عظيمة دوننا تولوها، وكم من كريهة حلوها، وكم من شهيد منهم تحت لواء الحق معفر، وقتيل أمام إمامه مجدل، وصريع في قلب مصافه مزمل.

(1/241)

قال: وكفى لتميم وإلى الله نرغب وإياه نسأل، والله سبحان نضرع ونبتهل، أن يثبتهم في حماتنا، ويوفقهم لنصرتنا، وأن يحشرهم غدا من زمرتنا مع أسلافنا وأسرتنا، وهو تعالى جده بالإجابة جدير، وعلى ما يشاء قدير.
معاشر الناس يرحمكم الله، إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، لم يخلقكم عبثا، ولم يترككم سدى.
قال: كلا بل جعل عليكم رقيبا من العقل قامعا وشهيدا من الشرع مانعا..إلى قوله: فكان الخلق في تلقي الحق قسمين: فقسم بان لهم الحق فأذعنوا واستسلموا خاضعين.
..إلى قوله: ونالوا رضى رب العالمين بصدور منشرحة، وآمال منفسحة، ونيات صادقة.
..إلى قوله: ففازوا في دنياهم بالدعة والخفض، وفي عقباهم بجنة عرضها كعرض السماوات والأرض.
..إلى قوله: وقسم جحدوا النبوة وخالفوها، تمردا وعصيانا، ودفعوا الشريعة وأنكروها، شحنا وطغيانا.
..إلى قوله: فلما انقضى عهد النبوة، وتبين على الخلق فرض الإمامة، الحد فيها طائفة منهم سلكوا منهاج من تقدمهم حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة.

(1/242)

..إلى قوله: ومرادي فيما أحاوركم به استشعار تقوى الله، وابتغاء مرضاة الله، والتقرب إلى الله، والسعي في ذات الله، وبذل المهجة للجهاد في سبيل الله، وحمل الخلق على كتاب الله، وإحياء شريعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتأمين السبل الخائفة حيث أمر الله تعالى به من أمان عباده، وإخصاب بلاده، وإقامة حكم وإزالة ظلم، ثم إعزاز آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين جحدهم أكثر الأمة حقوقها، واستحلت عقوقها، واستباحت دماءها، فذا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أزيح عن منزلته الشريفة المنيفة، وغضبت فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدكا، وسم الحسن عليه السلام سرا، وقتل الحسين جهرا، وصلب زيد بن علي عليه السلام بكناسة الكوفة، وقطع رأس يحيى بن زيد في المعركة، وخنق عبدالله بن الحسن بن الحسن في سجن الدوانيقي، وقتل ابناه النفس الزكية محمد وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العباسي، ومات موسى الكاظم بن جعفر الصادق في حبس هارون، وسم علي الرضى على يد المأمون، وسم إدريس بن عبدالله في السوس الأقصى، ومات عيسى بن زيد شريدا طريدا، شارك في قتلهم الأموي والعباسي، واجتمع عليهم العربي والعجمي، ووردوا المنية، وكرهوا الدنية، وصبروا على الرزية سليت نفسوهم عن الدنيا، واشتاقت نفوسهم إلى العقبى، وأيقنوا أن ما عند الله خير وأبقى.

(1/243)

..إلى قوله: واعلموا رحمكم الله أن العرب خير الأمم بالإجماع، وقريش خير العرب الإجماع، وهاشم خير قريش بالإجماع، والعلويون خير قريش بالإجماع، والفاطميون خير العلويين بالإجماع، وبلغت الوسيلة، وتناهت الفضيلة، وأي شخص من هذه الرتبة السامية، والمنزلة العالية، والرفعة المتناهية، وكان صحيح البنية لطيف الفطنة، وسليم الفطرة، وجمع إلى طهارة المولد وزكي المحتد، وكريم المنشأ، ثم العلم الراجح، والعمل الصالح، ثم الشجاعة القاهرة، ثم السماحة الطاهرة، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم السيرة العادلة الرضية، والسنة الفاضلة السنية، فهم صاحب دهره وولي الناس في عصره.
عباد الله، إن السياسات أربع:
فسياسة تلزم الخاصة والعامة، ظاهرة وباطنة، ساخرة وكامنة، وهي سياسة الأنبياء الصديقين صلوات الله عليهم أجمعين.
وسياسة أئمة الحق دعاة الخلق عليهم السلام، فإنه يلزم ظاهره بالقول، وباطنه بالعقل، بعقد النية.
والسياسة الثانية: تلزم الخاصة والعامة، ظاهرة لا باطنة، وقولا لا نية، وهي سياسة الملوك المتغلبين، فإن السلطان الجائر إذا ظهر عليهم شخصه من بغد قالوا: قد جاء لا جاء، فإذا توسطهم قالوا: خلد الله ملكك، وحرس عزك وسلطانك، فإذا فارقهم قالوا: مضى لا رده الله تعالى، وتمنوا أن يكون آخر عهد منهم به.
والسياسة الثالثة: تلزم الخاصة ظاهرة وباطنة دون العامة، وهذه سياسة الحكمة والعلوم والإتنباطية، والآراء النظرية والاجتهادية، فإنها لا حظ للعامة فيها، فإنها تدق عن أفهامهم.
والسياسة الرابعة: سياسة الوعاظ للعامة، وأصحاب الأفاهيم وأصحاب الكراسي، فإن سياستهم تملك العامة ظاهرة وباطنة دون الخاصة ألا ترى أن بكاءهم بعيونهم، وخشوعهم بقلوبهم.
أولاده: محمد، وحمزة.

(1/244)

الإعلان