الإمام المهدي محمد بن عبدالله(عليهما السلام)
والإمام المهدي هو: الإمام أبو القاسم محمد بن أبي الأئمة عبدالله الكامل المحض بن الحسن بن الحسن السبط عليهم السلام.
صفته: قال الإمام أبو طالب عليه السلام في الإفادة: كان عليه السلام آدم اللون شديد الأدمة، قد خالط الشيب في عارضيه.
قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهما السلام في سياق الأئمة: ومثل: محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج ذات يوم إلى باب المدينة، فقال: ((ألا وإنه سيقتل في هذا الموضع رجل من أولادي، اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي، يسيل دمه من هاهنا إلى أحجار الزيت، وهو النفس الزكية، على قاتله ثلث عذاب أهل النار)).
قيامه عليه السلام
في جمادى من هذه السنة، وبايعته المعتزلة مع الزيدية، وفضلاء الأئمة. وخرج معه جعفر الصادق عليه السلام المتوفي سنة ثمان وأربعين ومائة، عن خمس وستين سنة، ثم استأذنه في الرجوع ؛ لكبر سنه وضعفه.
وقد هم أبو الدوانيق بقتل جعفر الصادق، فعصمه الله منه. وأخرج معه ولديه: موسى الكاظم، وعبدالله، وكذلك الإمام: عيسى بن زيد بن علي، والحسين بن زيد بن علي عليهم السلام.
وفي أمالي الإمام أبي طالب في الباب التاسع والثلاثين بسنده إلى علي بن موسى بن جعفر عن أبيه عليهم السلام، قال: أرسل أبو جعفر المنصور إلى جعفر بن محمد عليهما السلام ليقتله، فطرح سيفا ونطعا، وقال: يا ربيع إذا أنا كلمته ثم ضربت بإحدى يدي على الأخرى فاضرب عنقه، فلما دخل جعفر بن محمد عليهما السلام، ونظر إليه من بعيد فرق أبو جعفر على فراشه – قال: يعني تحرك -، وقال: مرحبا بك وأهلا يا أبا عبدالله، ما أرسلنا إليك إلا رجاء أن تقضي ذمامك ونقضي دينك، ثم سأله مسألة لطيفة عن أهل بيته، وقال: قد قضى الله دينك وأخرج جائزتك، يا ربيع لا تمضي ثالثة ما قلته حتى يرجع جعفر بن محمد إلى أهله، فلما خرج هو والربيع، قال: يا أبا عبدالله أرأيت السيف والنطع، إنما كانا وضع لك، فأي شيء رأيتك تحرك به شفتيك، قال: نعم يا ربيع، لما رأيت الشر في وجهه قلت: حسبي الرب من المربوبين، وحسبي الخالق من المخلوقين، وحسبي الرازق من المرزوقين، وحسبي الله رب العالمين، حسبي من هو حسبي، حسبي من لم يزل حسبي، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
وكان الإمام مالك بن أنس الأصبحي – المتوفى سنة مائة وتسع وسبعين – يفتي بالخروج مع الإمام محمد بن عبدالله وأخيه الإمام إبراهيم بن عبدالله، وقرأ على الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام.
واستشهد الإمام محمد بن عبدالله في شهر رمضان الكريم، سنة خمس وأربعين ومائة، وله من العمر: اثنتان وخمسون سنة، وكان لقبه النفس الزكية، وكان فيه خاتم في كتفه، يشبه خاتم النبوة في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ذلك يقول الشاعر:
وإن الذي تروي الرواة لبين …. إذا ما ابن عبدالله فيهم تجردا
له خاتم لم يعطه الله غيره …. وفيه علامات من البر والهدى
وقال لأهله: إني على قتال هؤلاء، فإن زالت الشمس ومطرت السماء فإني مقتول، وإن زالت الشمس ولم تمطر السماء وهبت ريح فإني أظفر بالقوم، ثم أمرهم – أنه إذا أتت الأمارة من الله التي تدل على قتله – أن يحرقوا كتبا خاف عليها من أعداء الله، وكان أشبه الخلق في حملاته بالحمزة بن عبد المطلب، وكان عنده سيف أمير المؤمنين صلوات الله عليه ذو الفقار.
قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام: وفي حديثه عليه السلام أنه كان إذا حمل عليهم سمعت فيهم قصفة كأجيج النار في أجمة القصب، وكان يشبه في الفصاحة بجده علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
قال في الشافي: وكان يقاتل بالسيف، فيضرب ضرب جده علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والتسليم، وقال – لما انهزم عنه أصحابه -: اللهم إنهم عجزوا عن احتمال أمرك، والجهاد مع ولد نبيك، فاجعلهم في حل من بيعتي، ثم عطف على الناس في قلة من أصحابه، أهل البصائر خاصة وأهل بيته، وقاتل حتى قتل في الموضع الذي أخبر جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه يقتل فيه، في الحرم الشريف من المدينة المطهرة.
والجنود التي واجهته بالقتال، أنفذها أبو الدوانيق، عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، وكان عبدالله ممن بايع الإمام المهدي، فنكث بيعته، وادعى الملك لنفسه، كما تقدم في ذكر من قتل في أيامه من أهل البيت.
قبر جسده الشريف إلى جنب الحسن السبط، صلوات الله عليهم.
قال في الطبقات: محمد النفس الزكية..إلى قوله: محمد بن عبدالله الكامل، قال ابن عنبه: إنما لقب المهدي لحديث: إن المهدي اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، وتطلعت إليه نفوس بني هاشم وعظموه، وكان جم الفضائل كثير المناقب.
حكى أبو الفرج أن المنصور أخذ بركابه ذات يوم حتى ركب، فقيل له في ذلك، فقال: ويحكم هذا مهدينا أهل البيت، وكان المنصور قد بايعه ولأخيه إبراهيم مع جماعة من بني هاشم.
قلت: وفي مقاتل الطالبيين بسند صحيح أن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء..إلى قوله: وقال أبو جعفر – أي المنصور – بأي شيء تخدعون أنفسكم، فوالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور – أي أميل – أعناقا، ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى – يريد محمد بن عبدالله -، قالوا: قد والله صدقت إن هذا لهو الذي نعلم فبايعوا جميعا محمدا، ومسحوا على يديه.
وبسنده قال: بايع أبو جعفر محمدا مرتين إحداهما بمكة في المسجد الحرام، فلما خرج أمسك له بالركاب، ثم قال: أما إنه إن أفضى إليكما الأمر نسيت لي هذا الموقف.
إلى قوله: وكان مالك بن أنس قد أفتى بالخروج مع محمد وبايعه، فلذلك تغير المنصور عليه، فيقال: إنه خلع أكتافه، انتهى.
وقد خرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي ووثقه، وأما البخاري فقال: لا يتابع على حديثه، قال: فإذا كان هذا في حق إمام من أئمة أهل البيت متفق على جلالته وديانته فما ظنك بمن هو دونه.
قال عيسى بن زيد: لو أن الله أخبرنا في كتابه أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي لقلنا ذلك محمد بن عبدالله.
قلت: وفي الحدائق الوردية ما روينا بالإسناد الموثوق به عن عمير بن الفضل الخثعمي، قال: رأيت أبا جعفر الذي لقب من بعد بالمنصور يوما، وذلك في زمن بني أمية، وقد خرج محمد بن عبدالله من دار أبيه، وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بركابه حتى ركب ثم سوى عليه ثيابه على السرج، ومضى محمد، فقلت له – وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمدا -: من هذا الذي عظمته هذا الإعظام..إلى قوله: قال: هذا محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن مهدينا أهل البيت.
وانظر إلى أبي جعفر الملقب بالمنصور وصنيعه إلى محمد بن عبدالله عليهما السلام، وإقراره بفضله، وما انتهى إليه حاله بعد ذلك من سفك دمه في حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي حرم فيه عض شجرة، فكيف بغصن من أغصانه.
وروينا عن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن أنه سئل عن أخيه محمد عليهما السلام أهو المهدي الذي يذكر؟ فقال: المهدي عدة من الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعده أن يجعل من أهله مهديا لم يسمه بعينه، ولم يوقت زمانه، وقد قام أخي بفريضته عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أراد الله أن يجعله المهدي الذي يذكر ففضل الله يمن به على من يشاء من عباده، وإلا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره.
وروينا عن أبي خالد الواسطي، قال: لقيت محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام قبل ظهوره، فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟ فقال: وما يسرك منه يا أبا خالد؟ فقلت: يا سيدي وكيف لا أسر بأمر يخزي الله به أعداءه، وينصر به أولياءه، فقال: يا أبا خالد أنا خارج وأنا والله مقتول، والله ما يسرني أن الدنيا بأسرها لي عوضا عن جهادهم، يا أبا خالد إن امرأ مؤمنا لا يصبح حزينا ويمسي حزينا بما يعاين من أعمالهم إنه لمغبون مفتون، قال: قلت: يا سيدي والله إن المؤمن لكذلك، ولكن كيف بنا ونحن مقهورون لا نستطيع لهم تغييرا؟ فقال: يا أبا خالد إذا كنتم كذلك فلا تكونوا لهم جمعا، وانفذوا من أرضهم. انتهى.
قال السيد أبو طالب عليه السلام: وروي عن الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام، قال: شهد مع محمد بن عبدالله من ولد الحسين أربعة: أنا، وأخي عيسى، وموسى، وعبدالله ابنا جعفر.
وروى أن أول قتيل من المسودة اشترك في قتله بين يديه عليه السلام موسى وعبدالله ابنا جعفر بن محمد، وكانا حاضرين معه في جميع جهاده حتى قتل، وأعطياه بيعتهما مختارين متقربين إلى الله تبارك وتعالى، واستأذنه أبو عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام لسنه وضعفه بالرجوع إلى منزله بعد أن خرج معه، فأذن له وكانت رايته مع الأفطس الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وخرج معه المنذر بن محمد بن المنذر بن عبدالله بن الزبير، وابن أبي ذيب، وابن عجلان، وخرج معه مصعب بن عبدالله بن الزبير، وابنه عبدالله بن مصعب، وأبو بكر بن سبرة الفقيه الذي يروي عنه الواقدي، وكان عمرو بن عبيد، ونفر من أعيان المتكلمين من معتزلة البصرة اختبروه، ووقفوا على غزارة علمه، ودعائه إلى القول بالعدل فبايعوه، ومن الناس من أنكر أن يكون عمرو بايعه، والصحيح هو الأول، ذكره السيد أبو طالب عليه السلام.
وقال في الشافي: كان ظهوره بالمدينة..إلى قوله: وظهور دعوته بخراسان ومبايعته جمهور أهلها له عليه السلام لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة 145هـ خمس وأربعين ومائة، وروي: غرة رجب.
فخرج عليه السلام متوشحا سيفه، وهو يقول لأصحابه: لا تقتلوا لا تقتلوا، ودخل المسجد قبل الفجر، فخطب الناس، ولما حضرت الصلاة نزل فصلى وبايعه الناس طوعا إلا شرذمة وهرب رياح بن عثمان المري عامل أبي جعفر على المدينة، وصعد دار مروان فأمر بهدم الدرجة فصعد إليه من أخذه من هناك، وجاءوا به إليه عليه السلام، فسأله عن أخيه موسى، فقال: قد أنفذته إلى أبي جعفر المنصور، فبعث جماعة من الفرسان خلفه فلحقوه فردوه إليه، وخرج منها إلى مكة وبويع هنالك وعاد إلى المدينة.
إلى قوله: وقد كان عمرو بن عبيد وأعيان المتكلمين بايعوه، وبايعه علماء البصرة بعد أن وقفوا على غزارة علمه، وسعة فهمه، واجتمع عليه الزيدية والمعتزلة والعلماء من أهل الفقه والمعرفة، وعلموا دعاءه إلى العدل والتوحيد، وإقامة عمود الإسلام، وقد كان أبو جعفر من جملة من بايعه، وبايعه جعفر بن محمد عليه السلام، وخرج معه ثم أكب على رأسه فقبله، واستأذنه في الرجوع إلى منزله لسنه وضعفه، وخرج معه ولداه عبدالله ومحمد ابنا جعفر، وكان أول قتيل من المسودة الفجرة قتلاه واشتركا في قتله، وكان معه عيسى والحسين ابنا زيد.
إلى قوله: وفزع الناس إلى مالك بن أنس الأصبحي يستفتونه في بيعة محمد بن عبدالله والقيام معه فأفتاهم بوجوب ذلك عليهم..إلى قوله: وكان أبو جعفر لا ينكر حق محمد بن عبدالله ولا يطمع في الأمر هو ولا أحد من أهل بيته إلا أن يكون لهم شركة القرابة في الخدمة والمشايعة.
إلى قوله: وولى عليه السلام قضاء المدينة عبد العزيز بن المطلب المخزومي وكان على جيوان العطاء عبدالله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وعلى شرطته عبد الحميد بن جعفر.
إلى قوله: وكان الناس يتحدثون بأمره، وكان بين كتفيه خاتم يشبه خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال فيه بعض شعراء الشيعة: وإن الذي تروي الرواة….إلخ.
البيتين السابقين، وقال فيه بعض شعراء خراسان:
إذا المهدي قام لنا وفينا …. أتانا الخير وانقطع البلاء
وقام به عمود الدين حقا …. وولى الجور وانكشف الغطاء
بنفسي يثرب من دار هاد …. عليها من شواهده بهاء
إلى قوله: وقتل يوم قتل سبعة عشر رجلا من عفاريت الإنس، وحاد عنه حميد بن قحطبة غير مرة، وقد دعاه إلى البراز ولما انهزم عسكره عليه السلام بحيلة المرأة الهاشمية العباسية التي كانت في المدينة.
إلى قوله: وكانت اليد له أمرت خادما بقناع أسود رفعه في منارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمرت خداما لها آخرين صاحوا في العسكر: الهزيمة الهزيمة إن المسودة قد جاءوا من خلفكم ودخلوا المدينة، فالتفت الناس فأبصروا الراية السوداء على المنارة فلم يشكوا في ذلك، فانهزم الناس.
إلى قوله: فقال: اللهم…إلخ الكلام السابق،..إلى قوله: قال: ابرز إلي يا حميد، قال: لا أبرز إليك وبيني وبينك ممن ترى أحد فمتى أنجحتهم رأيت رأيي.
مؤلفاته عليه السلام
قال الإمام أبو طالب: وله كتاب (السير) المشهور، وسمعت جماعة من فقهاء أصحاب أبي حنيفة وغيرهم يقولون: إن (محمد بن الحسن) نقل أكثر مسائل السير عن هذا الكتاب.
أولاده: عبدالله الأشتر: قتل بكابل، وله عقب، وعلي والحسن: قتلا بفخ، والحسين: ذكره غير الطالبيين، انتهى باختصار من الإفادة.
ظهور العباسية
وفي عصره ظهرت العباسية، وذلك أنه لما قتل يحيى بن زيد عليهما السلام، خرج أبو مسلم الخراساني زاعما أنه آخذ بثأر أهل البيت، ثم وضع الملك في العباسية، وسلط الله عليه الملك الثاني فقتله.
وكان عدة ملوك بني العباس سبعة وثلاثين ملكا، أولهم أبو العباس السفاح، واسمه كاسم أخيه عبدالله، وقد سبق نسبهم، وهو الذي أنشده بعض الشعراء – وكان أبقى من بني أمية بقية بعد أن رفع عنهم السيف – هذه الأبيات:
أصبح الملك ثابت الآساس …. بالبهاليل من بني العباس
إلى أن قال:
لا تقيلن عبد شمس عثارا …. واقطعن كل رقلة وغراس
خوفهم أظهر التودد فيهم …. وبهم منكم كحر المواسي
أقصهم أيها الخليفة واقطع …. عنك بالسيف شافة الأرجاس
واذكروا مصرع الحسين وزيدا …. وقتيلا بجانب المهراس
..إلى آخرها.
ثم قتلهم، ولم يبق إلا من له فسحة في الأجل، وانتقم الله منهم، ?وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا? [الأنعام:129]، وبعد أن تمكنوا، وقع منهم الإغلاظ على آل محمد، والقتل والتشريد، كما قال أبو فراس:
ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت …. تلك الجرائم إلا دون نيلكم
وامتد زمن العباسية إلى أن خرج التتر إلى بغداد، فسلطهم الله عليهم، وقتلوا المستعصم العباسي، في اليوم الذي قتل فيه الإمام المهدي أحمد بن الحسين عليه السلام، والمستعصم آخر ملوك بني العباس، وقتل التتر في بغداد ونواحيها ألف ألف وثمانمائة ألف، وأخربوا أكثر الأرض، وقد أشار إلى خروجهم الوصي صلوات الله عليه في بعض خطبه.
وكانت مدة ملك العباسية خمسمائة سنة، ثم من بعد صار الملك في الجراكسة والأتراك، وكان ظهور علوي البصرة في أيام المهتدي العباسي، وهو الرابع عشر من بني العباس، وعلوي البصرة هو: علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي السجاد بن الحسين بن علي، ولم يرتض أهل البيت سيرته، سلطه الله على ظلمة بني العباس قتل من جنودهم مائتي ألف وخمسين ألفا، وقيامه سنة ست وخمسين ومائتين.
محبس الهاشمية ومن قتل فيه من أهل البيت عليهم السلام
وفي أيام أبي الدوانيق الملك الثاني من بني العباس، قتل: عبدالله بن الحسن بن الحسن، سنة خمس وأربعين ومائة، عن خمس وسبعين سنة. وأقام في الحبس ثلاث سنين، أفاده في المقاته.
وفيه بسند صحيح عن يحيى بن عبدالله بن الحسن، قال: لما حبس أبي عبدالله بن الحسن وأهل بيته جاء محمد بن عبدالله إلى أمي، فقال: يا أم يحيى ادخلي على أبي السجن، وقولي له: يقول لك محمد بأنه يقتل رجل من آل محمد خير من أن يقتل بضعة عشر رجلا، فأتيته، فدخلت عليه السجن، فإذا هو متكئ على برذعة في رجله سلسلة، قالت: فجزعت من ذلك، فقال: مهلا يا أم يحيى فلا تجزعي فما بت ليلة مثلها، قالت: فأبلغته قول محمد، قالت: فاستوى جالسا، ثم قال: حفظ الله محمدا، لا ولكن قولي له: فليأخذ في الأرض مذهبا فوالله ما نحتج عند الله غدا إلا أنا خلفنا وفينا من يطلب هذا الأمر.
وفيه بسنده قال: حدثني عيسى بن زيد، قال: حدثني صاحب محمد بن عبدالله أن محمدا وإبراهيم كانا يأتيان أباهما معتمين في هيئة الأعراب فيستأذنانه في الخروج، فيقول: لا تعجلا حتى تملكا، ويقول: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين، فلا يمنعكما أن تموتا كريمين.
وفي الهامش: ابن الأثير (5/11)، والطبري (9/ 194)، وفيه قال: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: أخبرنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا غسان بن أبي غسان من بني ليث، قال: حدثني أبي عن الحسن بن زيد، قال: دخلنا على عبدالله بن الحسن بن الحسن بعثنا إليه رياح نكلمه في أمر ابنيه، فإذا به على حقيبة في بيت فيه تبن، فتكلم القوم حتى إذا فرغوا من كلامهم أقبل علي، فقال: يا بان أخي والله لبليتي أعظم من بلية إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم، إن الله عز وجل أمر إبراهيم أن يذبح ابنه، وهو لله طاعة، قال إبراهيم: إن هذا لهو البلاء المبين، وإنكم جئتموني تكلموني في أن آتي بابني هذا الرجل فيقتلهما وهو لله جل وعز مصيبة، فوالله يا ابن أخي لقد كنت على فراشي فما يأتيني النوم، وإني على ما ترى أطيب نوما.
حدثنا علي بن العباس، قال: أنبأنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن سليمان بن نهيك، قال: كان موسى وعبدالله ابنا جعفر عند محمد بن عبدالله، فأتاه جعفر فسلم، ثم قال: تحب أن يصطلم أهل بيتك، قال: ما أحب ذلك، قال: فإن رأيت أن تأذن لي فإنك تعرف علتي، قال: قد أذنت لك، ثم التفت إلى محمد بعد ما مضى جعفر إلى موسى وعبدالله ابني جعفر، فقال: الحقا بأبيكما فقد أذنت لكما، فانصرفا فالتفت جعفر فقال: ما لكما؟ قالا: قد أذن لنا، فقال جعفر: ارجعا فما كنت بالذي أبخل بنفسي وبكما عنه، فرجعا فشهدا محمدا.
أخبرنا علي بن العباس، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن محمد بن عبد الواحد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن الفرات عن غالب الأسدي، قال: سمعت عيسى بن زيد يقول: لو أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه باعث بعده نبيا، لكان ذلك النبي محمد بن عبدالله بن الحسن، فقال يحيى بن الحسن: فيما حدثني ابن سعيد عنه، قال يعقوب بن عربي: سمعت أبا جعفر المنصور يقول في أيام بني أمية، وهو في نفر من بني أمية، قال: ما في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعلم بدين الله ولا أحق بولاية الأمر من محمد بن عبدالله، وبايع له وكان يعرفني بصحبته والخروج معه، قال يعقوب بن عربي: فلما قتل محمد حبسني بعض عشرة سنة.
وفيه: حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني أبو عبد الحميد الليثي عن أبيه، قال: كان ابن فضالة النحوي يخبر، قال: اجتمع واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد في بيت عثمان بن عبد الرحمن المخزومي من أهل البصرة، فتذاكروا الجور، فقال عمرو بن عبيد: فمن يقوم بهذا الأمر ممن يستوجبه، وهو له أهل؟ فقال واصل: يقوم به والله من أصبح خير هذه الأمة محمد بن عبدالله بن الحسن، فقال عمرو بن عبيد: ما أرى أن نبايع ولا نقوم إلا مع من اختبرناه وعرفنا سيرته، فقال له واصل: والله لو لم يكن في محمد بن عبدالله أمر يدل على فضله إلا أن أباه عبدالله بن الحسن في سنه وفضله وموضعه، قد رآه لهذا الأمر أهلا، وقدمه فيه على نفسه لكان لذلك يستحق ما نراه له، فكيف بحال محمد في نفسه وفضله.
إلى قوله: خرج جماعة من أهل البصرة من المعتزلة منهم: واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد وغيرهما حتى أتوا سويقة، فسألوا عبدالله بن الحسن أن يخرج لهم ابنه محمدا حتى يكلموه، فطلب لهم عبدالله فسطاطا، واجتمع هو ومن شاوره من ثقاته أن يخرج إليهم إبراهيم بن عبدالله، فأخرج إليهم إبراهيم..إلى قوله: فحمد الله وأثنى عليه، وذكر محمد بن عبدالله، وحاله، ودعاهم إلى بيعته، وعذرهم في التأخر عنه، فقالوا: اللهم إنا نرضى برجل هذا رسوله، فبايعوه، وانصرفوا إلى البصرة.
وروى بسنده، قال: كان أبو خالد الواسطي، والقاسم بن مسلم السلمي مع محمد بن عبدالله بن الحسن، وكانا من أصحاب زيد بن علي صلوات الله عليه، قال القاسم بن مسلم لمحمد بن عبدالله بن الحسن: يا أبا عبدالله…..
إلى قوله: فتناول سوطه من الأرض، ثم قال: يا قاسم بن مسلم، ما يسرني أن الأمة اجتمعت علي كمعلاق سوطي هذا، وأني سئلت عن باب الحلال والحرام، ولم يكن عندي مخرج منه.
وفيه بسنده: شهد مع إبراهيم بن عبدالله من أصحاب زيد بن علي…
إلى قوله:: سلام بن أبي واصل الحذاء، وحمزة بن عطاء البرني، وخليفة بن حسان الكيال، وكان أفرس الناس.
إلى قوله: خرج مع إبراهيم بن عبدالله عبدالله بن جعفر المدائني، قال في الهامش في الطبري: ابن جعفر المديني، قلت: هو والد علي بن عبدالله المديني، المحدث الكبير المعدود هو وولده من ثقات محدثي الشيعة، وهو شيخ البخاري وغيره.
والإمام عبدالله بن الحسن هو الذي صلى الفجر بوضوء العشاء ستين سنة.
والحسن الثالث، ابن الحسن الرضا، ابن الحسن السبط: توفي عليه السلام في السجن، في ذي القعدة، سنة خمس وأربعين ومائة، عن ثمان وستين سنة.
والإمام إبراهيم الشبه بن الحسن بن الحسن، توفي في شهر ربيع الأول، سنة خمس وأربعين ومائة، وله سبع وستون سنة.
وعلي بن الحسن الثالث ابن الحسن الرضا بن الحسن السبط، وهو والد الإمام الحسين بن علي صاحب فخ، وهو الذي قال له عمه عبدالله بن الحسن: يدعو على أبي الدوانيق، فقال: إن لنا منزلة عند الله لا ننالها إلا بهذا، أو أبلغ منه، وإن لأبي الدوانيق موضعا في النار، لا يبلغه حتى ينال منا هذه البلية، أو ما هو أعظم.
توفي عليه السلام في محبسهم بالهاشمية، وهو ساجد، وعمره خمس وأربعون سنة.
وأخوه العباس عليه السلام توفي في شهر رمضان الكريم، وهو ابن خمس وثلاثين سنة، وأخوهما عبدالله، توفي يوم الأضحى، وله ست وأربعون سنة، وإسماعيل الديباج بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط.
وإخوته: محمد الديباج الأصغر، ويعقوب، وإسحاق، أبناء إبراهيم بن الحسن بن الحسن عليه السلام.
قتل هؤلاء بضروب من القتل، فمنهم: من بني عليه وهو حي، ومنهم: من سمرت يداه في الأرض.
والذين دفنوا بشاطئ الفرات سبعة منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم: ((يدفن من ولدي سبعة بشاطئ الفرات لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون)).
روى في تاريخ الطبري بسنده أن رياحا عامل أبي جعفر قال لأبي البختري: خذ بيدي ندخل على هذا الشيخ فأقبل متكئا علي حتى وقف على عبدالله بن الحسن، فقال: أيها الشيخ، إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة، ولا يد سلفت إليه، والله لا لعبت بي كما لعبت بزياد وابن القسري، والله لأزهقن نفسك، أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم، قال: فرفع رأسه إليه، وقال: نعم، أما والله إنك لأزيرق قيس المذبوح فيها كما تذبح الشاة، قال أبو البختري: فانصرف رياح والله آخذا بيدي أجد برد يده، وإن رجليه ليخطان مما كلمه، قال: قلت: والله إن هذا ما اطلع على الغيب، قال: أيها ويلك، فوالله ما قال إلا ما سمع، قال: فذبح ذبح الشاة.
وروى الطبري ص194 ج9 في حوادث سنة 144هـ بسنده إلى الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام، قال: غدوت إلى المسجد فرأيت بني حسن يخرج بهم من دار مروان مع أبي الأزهر يراد بهم الربذة، فانصرفت فأرسل إلي جعفر بن محمد فجئته، فقال: ما وراءك؟ فقلت: رأيت بني حسن يخرج بهم في محامل، قال: اجلس، فجلست فدعا غلاما له، ثم دعا ربه دعاءا كثيرا، ثم قال لغلامه: اذهب فإذا حملوا فأت فأخبرني، فأتاه الرسول، فقال: قد أقبل بهم، قال: فقام جعفر بن محمد، فوقف وراء ستر شعر يبصر من ورائه ولا يبصره أحد فطلع بعبدالله بن حسن في محمل معادله مسود وجميع أهل بيته كذلك، قال: لما نظر إليهم جعفر هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته، ثم أقبل علي، فقال: يا أبا عبدالله والله لا تحفظ لله حرمة بعد هؤلاء.
وروى هذا في المقاتل عن جعفر الصادق، وزاد بعد قوله: والله لا تحفظ لله حرمة بعد هؤلاء: والله ما وفت الأنصار ولا أبناء الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما أعطوه من البيعة على العقبة، ثم قال جعفر: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: ((خذ عليهم البيعة بالعقبة)) فقال: كيف آخذ عليهم؟ قال: خذ عليهم يبايعون الله ورسوله، قال ابن الجعد في حديثه: على أن يطاع الله فلا يعصى، وقال آخرون: على أن تمنعوا رسول الله وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم، قال: فوالله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم ثم لا أحد يمنع يد لامس اللهم فاشدد وطأتك على الأنصار.
قال في كتاب حركة النفس الزكية ط الثانية عام 1406هـ ص79، ما لفظه: عقب ابن كثير على تعذيب آل الحسن ووفاتهم في سجن المنصور، فقال: فعلى المنصور ما يستحقه من عذاب الله ولعنته، قال في الهامش: (البداية 10/ 82)، وقال أيضا في ص86: (بايع أهل المدينة محمدا على القتال معه ضد الظالم أبي جعفر..إلى قوله: أيد كثير من العلماء حركة النفس الزكية، منهم: عبدالله بن يزيد بن هرمز شيخ الإمام مالك، ومحمد بن عجلان، وكان موضع تقدير أهل المدينة، وله حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانوا يلقبونه بـ(حسن البصري المدينة)، وأبو بكر بن أبي سبرة الفقيه، وعبدالله بن عامر الأسلمي القاري، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، كما أيده أحفاد الزبير بن العوام، وكانوا فرسانا علماء كالمنذر بن محمد، ومصعب بن ثابت، كما أيدته القبائل العربية المجاورة للمدينة جهينة، ومزينة، وأسلم، وغفار، وخرج معه من الطالبيين المشهورين: موسى وعبدالله ابنا جعفر الصادق، والحسن، ويزيد وصالح بنو معاوية بن عبدالله بن جعفر، والحسين وعيسى ابنا زيد بن علي، وعلي وزيد ابنا الحسن بن زيد بن الحسن).
قال في الهامش: ويلاحظ من هذا التعيين أن أهل المدينة بشكل عام كانوا يؤيدون محمدا في حركته حيث نجد المخزومي والزهري والعمري والزبيري من أمرائه وقواده.
وقال في ص94 ما لفظه: إن عدد جيش المدينة الذي يدافع عنها قليل بالنسبة إلى الجيش العباسي، ولكنهم عوضوا عن هذه القلة بالبطولة الفردية، التي تقف أمام العشرات وتتغلب عليهم، وفي اليوم الأول قاد المدافعين عن المدينة عيسى بن زيد بن علي، وقاتل هو بنفسه قتالا شديدا استمر من الصباح حتى الظهيرة، ووقعت جراحات كثيرة في صفوف أهل المدينة، ويظهر أن فرقة الرمي بالنشاب في الجيش العباسي كانت تقوم بدورها على أحسن وجه.
شعر عبدالله بن جعفر بن المسور أن الأمور لا تسير كما يجب فاقترح على محمد أن يذهب إلى مكة لعله يجد مخرجا وفسحة ليعيد تنظيم أموره ولا يمكن العباسيين من نفسه.
رفض محمد هذا الاقتراح وتذكر ما فعل يزيد بأهل المدينة وخشي أن تكرر نفس الحادثة، فكيف يتركها نهبا للجيش العباسي، وكيف يترك أهلها في وقت الضيق، وفي اليوم الثاني اشترك محمد في القتال، وكان في مقدمة الصفوف، وهو مشهور بالشجاعة ويشبهونه بحمزة بن عبد المطلب ويصفه من رآه بأنه كان يفري الناس فريا، وقد قتل بيده يومها سبعين رجلا، حمل راية محمد عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير، وكان شعاره: أحد أحد.
قلت: هذكا، ويحمل على الحكاية، قال: وهو شعار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين، وأشار في الهامش إلى أن الطبري ذكره (ج7 ص586).
قلت: وقال الطبري: حدثني محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت قال: انصرف محمد يومئذ قبل الظهر حتى جاء دار مروان فاغتسل وتحنط، ثم خرج، قال عبد العزيز بن أبي ثابت: حدثني عبدالله بن جعفر، قال: دنوت منه، فقلت له: بأبي أنت إنه والله مالك بما رأيت طاقة وما معك أحد يصدق القتال، فاخرج الساعة حتى تلحق بالحسن بن معاوية بمكة فإن معه جلة أصحابك، فقال: يا أبا جعفر والله لو خرجت لقتل أهل المدينة.
قلت: وفي كتاب حركة النفس الزكية ومعه ابن خضير واسمه إبراهيم بن مصعب بن الزبير، وهذا الأخير يناشد محمدا أن يترك المدينة ويذهب إلى البصرة، وهناك أخوه إبراهيم ويستطيع جمع الناس حوله مرة ثانية، ولكن محمدا يرفض هذا الاقتراح رفضا قاطعا كما رفض الاقتراح الأول لذهابه إلى مكة، وكأن محمدا كان يعرف مصيره، ولكنه يريد أن تكتمل المأساة كما اكتملت في كربلاء..إلى قوله: ويقول لابن خضير: (لا تبتلون بي مرتين).
قال: ويلتفت إلى ابن خضير، ويطلب منه أن يذهب حيث شاء، وهو في حل من مساعدته في هذه الشدة، ولكن النفوس الشريفة لا تستطيع أن تتخلى عن أصدقائها في اللحظات الحرجة، ولو كان ذلك يكلفها الموت، فيقول له ابن خضير: وأين المذهب عنك.
وهذا ما حصل مع الحسين بن علي حين طلب من الذين حوله أن يتركوه وحده يواجه جيش العراقي، ولكنهم رفضوا، استأذن ابن خضير ودخل المدينة، واتجه مباشرة إلى السجن فأخرج أمير المدينة السابق رياح بن عثمان وأخاه عباس وذبحهما، وأحرق الديوان الذي فيه ذكر أسماء أصحاب محمد، ثم رجع وقاتل مع محمد حتى قتل، وكان الخراسانيون إذا رأوه ابتعدوا عنه وتفرقوا.
ومن الذين صمدوا وصبروا مع محمد قوم من مدينة جهينة يقال لهم: بنو شجاع كسروا أغماد أسيافهم، وقاتلوا حتى قتل أكثرهم.
إلى قوله: أراد محمد مبارزة حميد بن قطحبة من قواد الجيش العباسي، فرفض هذا الأخير، وكأن محمدا أراد نهاية المعركة إما بقتل أكبر قواد الجيش المعادي، أو مقتله هو.
قلت: وقد ساق أكثر هذه الأخبار في الشافي والحدائق الوردية وغيرهما، وإنما آثرنا النقل من كتب العامة الموثوق بها عند الفريقين لتأكيد الحجة عليهم.
وروى في الشافي من طريق الطبري بسنده، قال: لما حج أبو جعفر سنة أربعين حج تلك السنة محمد وإبراهيم ابنا عبدالله بن الحسن، وهما متغيبان فاجتمعوا بمكة، وأرادا اغتيال أبي جعفر، فقال لهم الأشتر عبدالله بن محمد بن عبدالله: أنا أكفيكموه، فقال محمد: لا والله لا أقتله غيلة حتى أدعوه، فنقض عليهم أمرهم ذلك، وكانوا قد أجمعوا عليه فافرق بين أقوال الأئمة والجبابرة إن كنت من أهل الدين والبصيرة..إلى آخر كلامه عليه السلام.
قال: وكان شدة هرب محمد بن أبي جعفر أن أبا جعفر كان قد عقد له بمكة مع المعتزلة، فهذا أبو جعفر قد نكث البيعة مضافا إلى ما ركب من المعاصي، وقد كان لا يدع لله حرمة فيما يشد سلطانه.
إلى قوله: ولقد صار الفقيه بمذهبه الواهي في حيرة إن تولى آخر العترة سلخوا وجه مذهبه وعروا عوده من لحيه، وإن تولى جعفر بن محمد، وعبدالله بن الحسن وأهل بيته فقد أجمعوا على عداوة بني العباس وتخطيتهم، وإن قال: إنما أريد الحسن والحسين عليهما السلام، وعلي بن الحسين والحسن بن الحسن نقض عليه ذلك حفظ الولاء لمعاوية ويزيد فهو في مذهبه هذا كصاحب الثياب الخلقة كلما خاطها من جانب تهتك من جانب آخر، فنعوذ بالله من اعتقاد يؤدي إلى الحيرة في الدنيا والآخرة
**************************