الحسين بن علي عليهما السلام
(ولد عليه السلام: لخمس خلون من شهر شعبان سنة أربع للهجرة).
صفته عليه السلام: قال الإمام أبو طالب: كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سرته إلى قدميه، وكان أبيض اللون، وروي أنه كان إذا قعد في موضع في ظلمه يهتدى إليه، لبياض جبينه ونحره.
أولاده عليه السلام
علي الأكبر – في قول العقيقي، وكثير من الطالبية، وهو الأصغر في قول الكلبي، ومصعب بن الزبير وكثير من أهل النسبـ، وله العقب، وعبدالله، وعلي الأصغر قتلا مع أبيهما، وجعفر درج صغيرا.
وفاته عليه السلام
قلت: توفي علي بن الحسين سنة أربع وتسعين وولده محمد بن علي سنة سبع عشرة ومائة وعمر كل منهما ثلاث وستون. أفاده في مقاتل الطالبيين عن الصادق.
خرج عليه السلام من المدينة حين ورد نعي معاوية، وطلب بالبيعة ليزيد وامتنع من ذلك، يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب سنة ستين إلى مكة، ودخلها ليلة الجمعة لثلاث خلون من شعبان، ووردت عليه كتب أهل كتاب بعد كتاب، وهو بمكة بالبيعة في ذي الحجة من هذه السنة.
ولما وافته بيعة أهل الكوفة خرج من مكة سائرا إليها لثمان خلون من ذي الحجة، وروي أنه لما أراد الخروج إلى العراق خطب أصحابه ؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذه الدنيا قد تنكرت وأدبر معروفها فلم يبق إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا ينهى عنه ليرغب المرء في لقاء ربه فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا شقاوة.
فقام إليه زهير بن القين العجلي، فقال: قد سمعت مقالتك هديت، ولو كانت الدنيا باقية وكنا مخلدين فيها، وكان الخروج منها مواساتك ونصرتك لاخترنا الخروج منها معك على الإقامة فيها، فجزاه الحسين بن علي عليهما السلام خيرا، ثم قال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى …. إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه …. وفارق مثبورا وجاهد مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم …. كفى بك داءا أن تعيش وترغما
فلما نزل بستان بني عامر كتب إلى محمد أخيه وأهل بيته: من الحسين بن علي إلى محمد بن علي وأهل بيته، أما بعد فإنكم إن لحقتم بي استشهدتم، وإن تخلفتم عني لم تلحقوا النصر والسلام..إلى قوله: فلما وافى كربلاء، قال: في أي موضع نحن؟ قالوا: بكربلاء، قال: كرب والله وبلاء، هاهنا مناخ ركابنا ومهراق دمائنا..إلى قوله: وروينا عن زيد بن علي عن أبيه عليهما السلام أن الحسين بن علي عليهما السلام خطب أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس، خط الموت على بني آدم كخط القلادة على جيد الفتاة ما أولعني بالشوق إلى أسلافي اشتياق يعقوب عليه السلام إلى يوسف وأخيه، وإن لي لمصرعا أنا لاقيه كأني أنظر إلى أوصالي يقطعها وحوش الفلوات غبرا وعفراص، قد ملأت مني أكراشها، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ليوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله حرمته وعترته، ولن تفارقه أعضاؤه وهي مجموعة في حضيرة القدس تقر بهم عينه وينجز لهم عدته، من كان فينا باذل مهتجه فليرحل فإني راحل غدا إن شاء الله، ثم نهض إلى عدوه).
إلى قوله: فقام الحسين عليه السلام فيهم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: تبا لكم أيتها الجماعة وترحا، أفحين استصرختمونا ولهين متحيرين فأصرخناكم موجفين مستعدين، سللتم علينا سيفا في رقابنا..إلى قوله: فهلا لكم الويلات تجهمتمونا والسيف لم يشهر والجأش طامن، والرأي لم يستخف، ولكن أسرعتم إلينا كطيرة الذباب، وتداعيتم تداعي الفراش، فقبحا لكم فإنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرفي الكتاب، ومطفئي السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيدي عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين وصراخ أئمة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين، وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون، وإيانا تحاربون.
إلى قوله : ألا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها ، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ، وأنتم والله هم ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين القتلة والذلة وهيهات منا أخذ الدنية ، أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وخدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية لا تؤثر مصارع اللئام على مصارع الكرام ، ألا قد أعذرت وأنذرت ألا إني زاحف بهذه الأسرة على قتلة العتاد وخذلة الأصحاب .
إلى قوله : ألا ثم لا تلبثون بعدها إلا كريثما تركب الفرس حتى تدور بكم الرحى عهدا عهده إلي أبي فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم كيدوني جميعا ولا تنظرون ، إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ، اللهم احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مرة ، فلا يدع فيهم أحدا إلا قتله قتلة بقتلة وضربة بضربة ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ، فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير .
ثم قال : أين عمر بن سعد ، ادعوا لي عمر ، فدعي له ، وكان كارها لا يحب أن يأتيه ، فقال : يا عمر ، أنت تقتلني تزعم أن يوليك الدعي بن الدعي بلادي الري وجرجان ، والله لا تتهنأ بذلك أبدا عهدا معهودا ، فاصنع ما أنت صانع فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، ولكأني برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة يتراماها الصبيانا ويتخذونه غرضا بينهم .
واستشهد السبط الأصغر أبو عبدالله الحسين ، وله ست وخمسون سنة ، قتله أجناد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، في كربلاء ، يوم الجمعة عاشر محرم الحرام ، سنة إحدى وستين ، قتل هو وأهل بيته من أولاده وأولاد أخيه الحسن وأولاد الوصي ، لم يخلص منهم إلا من حفظ الله به نسل نبيه ، وكذلك من أولاد عقيل بن أبي طالب ، وأولاد جعفر بن أبي طالب ، ومن أوليائهم صلوات الله على أرواحهم الطاهرة المقدسة .
وبعد قتلهم أظهر الله آيات ، كحمرة السماء والشجرة ، ونبع الدم ، والظلمة ، ولم يشكوا في نزول العذاب.
وأخبر الحسين صلوات الله عليه من حضر قتله من فراعنة الأمة بما عهد إليه الوصي في خطبة طويلة ، وأنبأهم بما يلاقون بعد قتله من أصناف العذاب ، وأن الله سينتقم منهم ، وبتسليط غلام ثقيف ، وغيره من الجبابرة .
هذا، ولم يبق أحد ممن حضر قتل الحسين عليه السلام إلا وعجل الله له العذاب في الدنيا ، فمنهم من أحرق بالنار ، ومنهم من أخذه الجذام ، ومنهم من استهواه الجنون ، ولم يخرج أحد منهم من الدنيا إلا وقد شهر الله عقوبته على رؤوس الخلائق .
أخرج الإمام المرشد بالله بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم ما لفظه : ((أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم : أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وإني قاتل بابن بنتك سبعين ألفا ، وسبعين ألفا)) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك وغيره .