الامام ادريس بن ادريس بن عبدالله (عليهم السلام )

ثم دعا ابنه إدريس بن إدريس بن عبدالله صلوات الله عليهم، ومات سنة ثماني عشرة ومائتين، وأعقب الإمام إدريس بن عبدالله بالمغرب، وكثير من ذراري إخوته الأئمة في جهات التهائم.
قال في كتاب أخبار فخ لإحمد بن سهل الرازي رضي الله عنه ص321 الطبعة الأولى عام 1995: حدثني أبو العباس الحسني رضي الله عنه بإسناده عن إدريس بن عبدالله بن الحسن عليهم السلام: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:
فالحمد لله رب العالمين لا شريك له الحي القيوم، والسلام على جميع المرسلين، وعلى من اتبعهم وآمن بهم أجمعين، أيها الناس إن الله ابتعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة، وخصه بالرسالة، وحباه بالوحي، فصدع بأمر الله، وأثبت حجته، وأظهر دعوته، وأن الله جل ثياؤه خصنا بولادته، وجعل فينا ميراثه، ووعده فينا وعدا سيفي به، فقبضه الله إليه محمودا لا حجة لأحد على الله ولا على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فلله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين، فخلفه الله جل ثناؤه فينا بأحسن الخلافة، غذانا بنعمته صغارا، وأكرمنا بطاعته كبارا، وجعلنا الدعاة إلى العدل، العاملين بالقسط، المجانبين للظلم، ولم نمل من دفع الجور طرفة عين، من نصحنا لأمتنا والدعاء إلى سبيل ربنا جل ثناؤه، فكان مما خلفته أمته فينا أن سفكوا دماءنا، وانتهكوا حرمتنا، وأيتموا صغيرنا، وقتلوا كبيرنا، وأثكلوا نساءنا، وحملونا على الخشب، وتهادوا رؤوسنا على الأطباق، فلم نكل ولم نضعف، بل نرى ذلك تحفة من ربنا جل ثناؤه، وكرامة كرمنا بها، فمضيت بذلك الدهور، واشتملت عليه الأمور، وربي منا عليه الصغير، وهرم عليه الكبير، حتى ملك الزنديق أبو الدوانيق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ويل لقريش من زنديقها يحدث أحداثا يغير دينها، ويهتك ستورها، ويهدم قصورها، ويذهب سرورها)).

فسام أمتنا الخسف، ومنعهم النصف، وألبسهم الذل، وأشعرهم الفقر، وأخذ أبي عبدالله شيخ المسلمين وزين المؤمنين، وابن سيد النبيين صلى الله عليه وآله وسلم في بضعة عشر رجلا من أهل بيتي، وأعمامي صلوات الله عليهم منهم: علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي المجتهد والمحتسب، وأبو الحسين المستشهد بفخ بالأمس صلوات الله عليهم أهل البيت إنه حميد مجيد.
فأخرج بهم أبو الدوانيق الزنديق، فطبق عليهم بيتا حتى قتلهم بالجوع، وبعث أخي محمد بن عبدالله بن الحسن صلى الله عليه وآله وسلم ابنه عليا إليكم فخرج بمصر، فأخذ فأوثق، وبعث به إليه فعلق رأسه بعمود حديد، قتل أخوي محمد ثم إبراهيم صلوات الله عليهما العابدين العالمين المجتهدين الذائدين عن محارم الله شريا والله أنفسهما لله جل ثناؤه فنصب رؤوسهما في مساجد الله على الرماح حتى قصمه قاصم الجبارين، ثم ملك بعده ابنه الضال، فانتهك الحرمات واتبع الشهوات، واتخذ القينات، وحكم بالهوى، واستشار الإماء، ولعبت به المدنى، وزعم أنه المهدي الذي بشرت به الأنبياء، فضيق على ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وطردهم وكفل من ظهر منهم وعرضهم طرفي النهار، حتى أن الرجل ليموت من ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما يخرج به حتى يتغير.
ثم بعث إلي وقيدني، وأمر بقتلي فقصمه قاصم الجبارين، وجرت عليه سنة الظالمين، فخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
ثم ملك بعده ابنه الفاسق في دين الله، فسار بما لا تبلغه الصفة من الجرأة على رب العالمين، ثم بعث ليأخذ نفرا منا، فيضرب أعناقهم بين قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنبره، فكان من ذلك ما لا أظنه إلا قد بلغ كل مسلم.
ثم قتل أخي سليمان بن عبدالله، وقتل ابن عمي الحسين بن علي صلوات الله عليه في حرم الله، وذبح ابن أخي الحسن بن محمد بن عبدالله في حرم الله بعدما أعطي أمان الله.

وأنا ابن نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأذكركم الله جل ثناؤه، وموقفكم بين يديه غدا، وفزعكم إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم تسألونه الشفاعة وورود الحوض، وأن تنصروا نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم وتحفظونه في عترته فوالله لا يشرب من حوضه ولا ينال من شفاعته من حادنا وقتلنا وجهد على هلاكنا، هذا، في كلام طويل دعاهم فيه إلى نصرته.
وروى محمد بن علي بن مخلف العطار وغيره، عن سليمان بن سليمان الأسود – مولى آل حسن – قال: خرج إدريس بن عبدالله بن الحسن إلى المغرب بعد وقعة فخ، ومعه ابن أخيه محمد بن سليمان بن عبدالله، كان سليمان قتل بفخ، فلما تمكن إدريس ببلاد المغرب استعمل محمد بن سليمان على أداني المغرب من تاهرت إلى فاس، قال: فبقي محمد بن سليمان بهذه النواحي إلى اليوم، وهي إلى إبراهيم بن محمد بن سليمان، وبينها وبين إفريقية مسيرة أربعة عشر يوما، ثم يتلوه أحمد بن محمد بن سليمان أخوه، ثم إدريس بن محمد بن سليمان، ثم سليمان بن محمد بن سليمان، كل واحد من هؤلاء ملك على ناحية لا يدعوا واحد منهم لآخر ثم يصيروا إلى عمل بني إدريس بن عبدالله بن حسن بن حسن إلى آخر المغرب.

وروى أبو العباس الحسني رضي الله عنه عن رجاله، قال: لما انفلت إدريس بن عبدالله من وقعة فخ، صار إلى مصر وعلى بريدها واضح مولى صالح بن أبي جعفر، وكان يتشيع، فحمله على البريد إلى أرض طنجة، فخرج بها، فلما أفضت الأمور إلى هارون بعد أخيه موسى ضرب عنق واضح صبرا، ودس إلى إدريس الشماخ اليمامي مولى أبيه المهدي، وكتب له إلى ابن الأغلب عامله على إفريقية، فخرج حتى صار إلى إدريس، فذكر أنه متطبب وأنه من شيعتهم، فشكى إليه إدريس وجعا يجده في أسنانه فأعطاه سنونا، وأمره أن يسنن بها من عند الفجر، وهرب تحت الليل، فلما طلع الفجر استن إدريس بالسنون فقتله، فلما اتصل الخبر بهارون ولى الشماخ بريد مصر، وقال في ذلك شاعرهم:
أتظن يا إدريس أنك مفلت …. كيد الخليفة أو يقيك فرار
فليدركنك أو تحل ببلدة …. لا يهتدي فيها إليك نهار
ملك كأن الموت يتبع أمره …. حتى يقال تطيعه الأقدار

قال محمد بن منصور المرادي: قلت لأحمد بن عيسى بن زيد بن علي عليه السلام: حدثني رجل عن أبي الرعد عن أبي البركة عن هرثمة عن هارون الملقب بالرشيد أنه أعطى سليمان بن جرير مائة ألف درهم على أن يقتل له إدريس بن عبدالله، فحدثني أبو عبدالله أحمد بن عيسى بن زيد، قال: كنت عند عمي الحسين بن زيد بمنى في مضربه إذ جاءه جماعة من البربر من أهل المغرب من عند إدريس فجلسوا ناحية، وجاء رجل منهم إلى الحسين فسلم عليه، وأكب عليه فناجاه طويلا، ثم إن الرجل خرج، وقال لنا عمي: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال هذا رجل من أهل المغرب من عند إدريس قال لي: جاء رجل من عندكم يقال له سليمان بن جرير، فكان مع إدريس فخالفه في شيء، ودخل إدليس إلى الحمام، فلما خرج أرسل إليه سليمان بسمكة فحين أكل منها أنكر نفسه، وقال: بطني أدركوا سليمان في منزله، فطلب سليمان في منزله فلم يوجد، فسألنا عنه، فقالوا: قد خرج، فأعلمناه، فقال: أدركوه فردوه، قال: فأدركناه، فامتنع علينا، فقاتلناه وقاتلنا، فضربناه على وجهه ضربة بالسيف، وضربناه على يده فقطعنا اصبعه، وفاتنا هربا ثم قال لنا الحسين بن زيد: أرأيتم هذا الأثر، قال أحمد بن عيسى: رأيته مضروبا على وجهه شبيها بما وصف البربري، وأومأ أحمد بن عيسى من حد موضع السجود إلى الحاجب، ورأيناه وفي يده ضربة قد قطعت إصبعه الإبهام.
قال أحمد بن عيسى: وهو قتل إدريس لا شك فيه، وسليمان هذا كان من رؤساء الشيعة ومتكلميهم فمن يوثق بعده من الناس.

وروي عن بعض الناس أن إدريس أقام بالمغرب عشر سنين يقيم الأحكام ثم دس هارون شربة سم في سويق على يدي رجل من أهل العراق، فأقام عنده واستأنس به إدريس واطمأن إليه وكان قد ضمن هارون خمسمائة ألف درهم لهذا الرجل فسقاه فمات إدريس من ذلك بعد ثلاثة أيام، وأوصى إلى ابنه إدريس بن إدريس، فأقام بعد أبيه يعمل بالكتاب والسنة، ويقتدي بأبيه، وهو من أحد الشجعان، وبقي بعد أبيه إحدى وعشرين سنة تملك أرض المغرب وبربر وأندلس ونواحيها، وفتح فتوحا كثيرة من بلاد الشرك وحاربته المسودة، فلم يقدروا عليه إلى أن مات رحمه الله، ثم أوصى إلى ابنه إدريس بن إدريس بن إدريس بن عبدالله، فقام مقام أبيه يعدل بين الناس على سيرة آبائه وأجداده وهو أحد علماء آل محمد، وهم إلى هذه الغاية يتوارثون أرض المغرب وبربر، ويعملون بالحق.
وأول من ملك مكة المشرفة من أولاد الإمام موسى بن عبدالله الشريف جعفر بن محمد بن الحسن بن محمد الثائر بن موسى الثاني بن الإمام عبدالله بن موسى الجون بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، ثم تداولت على الحرم الشريف أيدي الأشراف من أبناء السبطين.
ومن ذريته السيد الإمام أحمد بن محمد بن علي الإدريسي المغزلي، قال تلميذه الحسن بن أحمد عالشن الضمدي في الديباج الخسرواني وعقود الدرر: هو إمام العارفين، وقدوة الزاهدين، ورشد المتقين، وخاتمة العلماء المحققين.
إلى قوله: قصر فكره نحو ثلاثين سنة على استخراج لطائف كتاب الله تعالى، وبعد إقامته في مكة توجه إلى صعيد الريف، وانثالت إليه أهل تلك الجهة.
إلى قوله: وكان أيام مكثه بالحرم المكي يجري بينه وبين علماء المراجعة فيغلبهم بالحجة، ولا يستطيع أحد منهم أن يقاومه في المرادعة.

إلى قوله: وكان يكافح أولئك بتزييف هذه المذاهب..إلى قوله: ويعلن لهم بأن قصر الحق على هذه المذاهب المتبوعة من البدع، وأن الجزم بتعذر الحكم من دليله لا مسند له، وأنه من تحجر الواسع ؛ لأن فضل الله تعالى غير مقصور على شخص من دون شخص، والفهم الذي هو شرط التكليف قد منحه الله تعالى كل عاقل، ولو كان مختصا بأحد دون أحد لما قامت الحجة على العباد بالكتاب والسنة، وهذا لا يرتضيه مسلم، وهذا الصنيع من كفران النعمة.
قال: وإذا دخل الصلاة ظل يضطرب فيها من الخشية والبكاء، مع كمال حفظ التقصي من المخالفة للمشروع، وكان صادق اللهجة.
قال: ووفد إليه كل عالم حتى ترجح له المسير نحو الشام، وأقام بمدينة صبيا، وكانت في أيامه قحط رجال الفضلاء من كل جهة حتى قال يحيى: ذلك شيخنا البدر الإمام محسن بن عبد الكريم، مخاطبا له:
شرفت صبيا بكم فغدت …. موردا للعم والنزل
ليت شعري ما الذي فعلت …. فعلت قدرا على زحل
ووصوله إليها في سنة 1245هـ، قال: وكانت وفاة صاحب الترجمة بمدينة صبيا من المخلاف السليماني في ليلة السبت إحدى وعشرين رجب سنة 1253هـ رحمه الله تعالى وإيانا والمؤمنين آمين.
ومنهم: حفيده السيد الإمام محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي الحسني الإدريسي المغربي، مولده في ذي القعدة سنة 1293هـ، وكان ظهور أمره في محرم سنة 1327هـ، ومما أظهره إقامة الحدود وقطع الحكم بالطاغوت، وإزالة ما يفعله أهل صبيا وجهاتها من الختان المخالف للسنة، واختلاط النساء بالرجال، ولم يزل أمره يزداد في قلوب العامة سرا وجهرا، وفي سنة 1330هـ تقرر الصلح بين الإمام يحيى والأتراك، ولم يجب السيد محمد الإدريسي إلى الصلح بعد مراجعته في ذلك، فكانت الحرب بين الأدارسة والإمام يحيى مدة طويلة، وانتهت بوفاة السيد محد الإدريسي سنة 1341هـ في مدينة صبيا. وكان طويل القامة رئيسا عارفا بأخبار الناس والبلاد، خولا قلبا ذا دهاء وسياسة.

الإعلان