فضائل العترة ووجوب التمسك بهم
مما أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأظهره لأمته على لسان وصيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، قوله: ((أيها الناس اعلموا أن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم عن علم تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة، هؤلاء مثلها فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم، فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخله غفر له، خذوا عني عن خاتم المرسلين، حجة من ذي حجة، قالها في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
ولقد كشف الله ما ينالونه من جفاء الأمة، وميل الخلق عنهم إلا من تداركته العصمة، ولقد أراه مصارعهم، وتوثب الجبابرة على منبره من بني أمية الطاغية، حتى عدهم في بعض مواقفه صلى الله عليه وآله وسلم واحدا واحدا.
وقال لأمته صلوات الله عليه وآله وسلامه لما رجع من سفر له وهو متغير اللون: ((أيها الناس إني قد خلفت فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي وأرومتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وإني انتظرهما، ألا وإني أسألكم يوم القيامة في ذلك عند الحوض، ألا وإنه سيرد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة: راية سوداء فتقف، فأقول: من أنتم؟ فينسون ذكري، فيقولون: نحن أهل التوحيد من العرب، فأقول: أنا محمد نبي العرب والعجم، فيقولون: نحن من أمتك، فأقول: كيف خلفتموني في عترتي، وكتاب ربي؟ فيقولون: أما الكتاب فضيعنا، وأما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم، فأولي وجهي عنهم، فيصدرون عطاشا قد اسودت وجوههم، ثم ترد راية أخرى أشد سوادا من الأولى، فأقول لهم من أنتم؟ فيقولون كالقول الأول: نحن من أهل التوحيد، فإذا ذكرت اسمي، قالوا: نحن من أمتك، فأقول: كيف خلفتموني في الثقلين، كتاب الله وعترتي؟ فيقولون: أما الكتاب فخالفنا، وأما العترة فخذلنا، ومزقناهم كل ممزق، فأقول لهم: إليكم عني، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم، ثم ترد علي راية أخرى تلمع نورا، فأقول: من أنتم؟ فيقولون نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى، نحن أمة محمد، ونحن بقية أهل الحق، حملنا كتاب الله ربنا، فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه، وأحببنا ذرية محمد، فنصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم من ناواهم، فأقول لهم: أبشروا فأنا نبيكم محمد، ولقد كنتم كما وصفتم، ثم أسقيهم من حوضي، فيصدرون رواء، ألا وإن جبريل أخبرني بأن أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء، ألا ولعنة الله على قاتله وخاذله أبد الدهر أبد الدهر)) انتهى الخبر النبوي الشريف، أخرجه الحاكم الجشمي رحمه الله تعالى في كتاب السفينة عن عبدالله بن العباس رضي الله عنهما، وله شواهد.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام المنصور بالله عليه السلام: ((من سره أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن التي غرسها ربي بيده، فليتول علي بن أبي طالب، وأوصياءه فهم الأولياء والأئمة من بعدي، أعطاهم الله علمي وفهمي، وهم عترتي من لحمي ودمي، إلى الله أشكو من ظالمهم من أمتي، والله لتقتلنهم أمتي لا أنالهم الله عز وجل شفاعتي)).
وله طرق في كتب السنة قد استوفينا المختار منها في كتابنا (لوامع الأنوار) نفع الله به، وسيأتي في الفصل الأخير من هذا الكتاب ما فيه بلاغ لقوم عابدين.
وفي الخبر الذي رواه الإمام أبو طالب بإسناد أهل البيت صلوات الله عليهم، إلى أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (زارنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعملنا له خزيرة…) وساق الحديث حتى قال – حاكيا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -: (ثم استقبل القبلة، فدعا الله جل ذكره ما شاء، ثم أكب إلى الأرض بدموع غزيرة مثل المطر، ثم أكب إلى الأرض ففعل ذلك ثلاث مرات، فهبنا أن نسأله، فوثب الحسين فأكب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبكى، فضمه إليه، وقال له: بأبي أنت وأمي وما يبكيك؟ فقال: يا أبت رأيتك تصنع ما لم تصنع مثله، فقال: يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسر بكم قبله مثله، وإن حبيبي جبريل أتاني فأخبرني أنكم قتلى، وأن مصارعكم شتى، فأحزنني ذلك، فدعوت الله لكم، فقال الحسين عليه السلام: يا رسول الله، من يزورنا على تشتتنا وتباعد قبورنا؟!، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((طائفة من أمتي، يريدون بذلك بري وصلتي، إذا كان يوم القيامة زرتهم بالموقف، فأخذت بأعضادهم، فأنجيهم من أهوالها وشدائدها)).
والباب فيما ورد في أهل بيت النبوة عن جدهم صلى الله عليه وآله وسلم لا يتهيأ انحصاره، والتطويل فيه يخرجنا عن المقصود، فلو تعرضنا لبيان طرق أحد الأخبار الواردة فيهم لضاق عنه هذا المقام، وإنما نأتي في كتابنا هذا بما يحتمله تبركا بكلام الرسول في أهل بيته صلواته الله عليه وعليهم وسلامه.
ولقد صبرت معهم العصابة المرضية، والبقية الفائزة الزكية، على وقع السيوف، وتجرع الحتوف، ووقفوا تحت ألوية أئمتهم، وائتمروا بأمرهم، وانتهوا بنهيهم، وحفظوا وصاة نبيهم، وسفكت دماؤهم بين أيديهم، وأقاموا فرائض الله على الأمم، ولبوا كتاب الله فيما ألزمهم به وحكم، فسلكوا منهج التبيين، وظفروا بما وعدهم في الذكر المبين.
قال الوصي عليه السلام في نعتهم ونعت أئمتهم: (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، كيلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا، بهم يدفع الله عن حججه، حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فاستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه المجرمون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه) في كلام له صلوات الله عليه.
ومن الدامغة قوله: (وكم لنا ناصر من شيعة صدقوا ما عاهدوا الله عليه من شيعي ومعتزلي الشيعة الزيدية والمعتزلة منهم وهم أهل علم الكلام وبينهم خلاف في مسألة الإمامة هل النص في علي عليه السلام جلي أم خفي، وفي إمامة المشائخ وهم فرق كثيرة، فأما الزيدية فهم صفوة الشيعة وبطانة أهل البيت الذين عناهم أبو جعفر الدوانيقي في وصيته بقوله: يا بني إنه قد حضرني ما ترى، وقد بنيت لك هذه المدينة لم يبن في الشرك ولا في الإسلام مثلها – يعني بغداد – وجمعت من الأموال والأجناد ما لم يجمعه خليفة قبلي، وإني مخلفك في هذه الأمة وهي خمس فرق: فرقة تعرف بالمرجئة وهم أصحاب قضاء وشهادات فارضخ لهم من دنياك فليس عليك منهم مضر، ومنهم فرقة تعرف بالمعتزلة فإن اشتغلوا بالكلام والجدال فخلهم ليس عليك منهم مضرة، ومنهم فرقة تعرف بالخوارج ولهم مذهب تنفر منهم جميع الأمة ؛ فلا تهتم بهم، ومنهم فرقة تعرف بالإمامية وينتظرون إماما معه المعجز يتكلم السيف في يده وذلك لا يكون، الفرقة الخامسة تعرف بالزيدية يرون القيام مع كل من قام من الفاطميين ويعتقدون ذلك دينا وفرضا عليهم فلا يزال همك وشغلك الأهم فليس آفة دولتك إلا منهم فأنفق مالك وأجنادك في أمرهم.
وقال الرشيد ابن ابنه: ما لي عدو سوى الزيدية الذي كلما قام قائم من الفاطميين أخذ الواحد منهم سيفه وكفنه وحنوطه ويتقدم يقاتل بين يديه حتى يقتل.
فالزيدية هم أنصار الدين، وحماة الحقائق، قال في كاشف الغمة: ومن المأثور: جنود السماء الملائكة، وجنود الأرض الزيدية.
وعن الصادق: لو نزلت راية حق من السماء ما ركزت إلا في الزيدية، وعن بعضهم: سبرت علماء كل فرقة، فما وجدت كعلماء الزيدية، حتى قال: لو كان في الأرض ملائكة على صور الرجال ما ظننتها إلا علماء الزيدية، زادهم الله حبا لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونصرة للدين وحشرهم الله في زمرة سيد المرسلين آمين، ومع أهل بيته الطيبين الطاهرين فالمرء مع من أحب، انتهى باختصار.