[معنى الإيمان بالقدر خيره وشره]
معنى القدر في الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)).
قدر الخير: مثل الصحة والعافية في النفس والأهل والولد وطول العمر وسعة الرزق والأمطار والخصب وصلاح الثمار والأمن والراحة وسكون النفس إلى غير ذلك مما شاكلها.
وقدر الشر: نحو الموت والمرض والخوف والفقر ونقص الثمرات وقلة الأمطار وقلة الخصب وفساد الثمار وقلة ذات اليد والقلق والنكد وما جانس ذلك.
وليس معنى القدر خيره وشره من الله: أن الظلم والزنا واللواط والغش والكذب وخلف الوعد ونكث العهد والكفر والشرك وجميع المعاصي كلها من الله، فهذا ليس من القدر الذي يجب الإيمان به، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فلا يجوز أن نرتكب الفواحش ثم نقول: إنها من الله وبقدره، بل نحن الذي عصينا باختيارنا، وفعلنا وأتينا من قبل أنفسنا، نحن المسؤلون عن العصيان، والله تعالى منزه عن فعلنا، لا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد، ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغي)) الآية. ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)) [النساء:58].
وبعد، فإنه ليس في كتاب الله تعالى أن فعل المعاصي بقدر من الله تعالى، بل فيه قوله تعالى: ((قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا)) [التوبة:51]، وليس فيه: لن تصيبوا إلا ما كتب الله عليكم، ولله در من قال: ما استغفرت الله منه فهو منك، وما حمدت الله عليه فهو منه، وفرق واضح بين يصيبنا وتصيبوا، وفي حديث رواه الإمام أبو طالب عليه السلام، ورواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وآله، وفي آخر الحديث ((فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه)).
فعلى هذا المسؤول عن فعل المعاصي هو الإنسان، وليس لقدر الله وقضاؤه دخل في ذلك، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وآله: ((والشر ليس إليك)) رواه مسلم، فلا يجوز إضافة الشر إلى الباري تعالى.
فنعوذ بالله من قوم استحوذ عليهم الشيطان فصاروا من جنده يدعون بدعوة الشيطان، ويزينون عصيان الرحمن، ويسهلون لهم طاعة الشيطان الرجيم، فتراهم تارة يقولون: إن الشفاعة لأهل الكبائر الموبقة ينسبون ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وحاشاه، وتارة أخرى تراهم يحدثون عن النبي بأن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن سرق وإن زنى، وإن أهل هذه الكلمة لا يخلدون في النار، وتراهم ينزهون أنفسهم والشيطان من معاصيهم ثم يقولون: إنها من فعل ربهم خلقها وشاءها وقضاها وقدَّرَهَا.